الناظر الى المشهد المصري حاليا يجد ماكينات اعلامية متعددة ومتنوعة في الوقت نفسه، تعمل على نطاق واسع ليس من أجل الحفاظ على ثورة 25 يناير، كما تدعي هذه الماكينات بحمايتها وتحقيق أهدافها، ولكن لتشويه صورة الإسلاميين، وجعلهم أشبه بالشياطين في أذهان الرأي العام...
الناظر الى المشهد المصري حاليا يجد ماكينات اعلامية متعددة ومتنوعة في الوقت نفسه، تعمل على نطاق واسع ليس من أجل الحفاظ على ثورة 25 يناير، كما تدعي هذه الماكينات بحمايتها وتحقيق أهدافها، ولكن لتشويه صورة الإسلاميين، وجعلهم أشبه بالشياطين في أذهان الرأي العام، الذي يتوق للإسلاميين، ويحفر في صورته الذهنية صورة نموذجية عنهم، غير أن الدولة العميقة بفسادها التي ورثها النظام المخلوع الى البلاد انعكست على كل من تعامل مع هذا النظام من دعاة الليبرالية والعلمانية ومن لف لفيفهم.
ليس هذا من قبيل المبالغة أو التجني، ولكنه حال أجهزة ووسائل الاعلام المختلفة التي تعمل على تشويه الإسلاميين، منذ وقوع ثورة 25 يناير، فلا تجد هذه الوسائل محاولة الا واصطادت بها لجعل الإسلاميين صيدا سهلا لها، بعدما هال هؤلاء - في الماكينة الاعلامية التي نشأت بفعل مليارات الجنيهات منذ خلع النظام السابق- الشعبية الجارفة للإسلاميين في الانتخابات التشريعية، وهو الأمر الذي تزايد مع الانتخابات الرئاسية، بعدما حل المرشح الإسلامي د.محمد مرسي صدارة المشهد، مقابل الأصوات الأخرى التي حصدها محسوبون على تيارات فكرية متنوعة، وهى الأفكار التي أصبحت آخذة في التراجع، وأدركت حجمها الصحيح بالشارع المصري.
وللتوضيح، حتى يكون للأمر دقته وموضوعيته، ووفق قراءة المشهد المصري على مدى الأسابيع الماضية فقط، دون الردة الى الشهور الماضية، التي كان للإسلاميين نصيب فيها من التشويه ، فإن حملات التشهير وما يوصف بشيطنة التيار الإسلامي تزايدت على نحو غير مسبوق على مدى الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاعلان عن جولة الاعادة للانتخابات الرئاسية، اذ اشتركت فيها قوى مختلفة، قادتها الدولة العميقة التي أقام أساسها النظام المخلوع على الفساد، بجانب من كانوا في حظيرة هذه الدولة، واحتضنهم النظام البائد فأغدق عليهم في عضويات عدة بمجالس للثقافة والمرأة وحقوق الإنسان، خلاف المواقع التنفيذية والمفصلية بالدولة، مقابل إقصائه للإسلاميين، أو حتى المتعاطفين معهم، ما جعل هذا النظام، وكل من تربح من فساده ماليا وفكريا ينتظر لحظة الفرصة الأخيرة بإعادة هذا النظام على وقع حملات التشهير والتشويه للإسلاميين، وشاركهم في ذلك من يوصفون بالنخبة التي ساهمت بقدر كبير في شحن الجماهير ضد التيار الإسلامي، ووصفه على أنه الغول الكاسر الذي سيقلب حال المصريين رأسا على عقب، حال وصوله الى سدة الحكم.
كل هؤلاء جعلوا أنفسهم أوصياء ليسوا على أنفسهم، ولكن على غيرهم من الشعب المصري، وأخذوا يمارسون ضدهم حالات عدة من الاستقطاب، بل ويتحدثون باسمهم، وفق ما يعجب منه المرء عندما يحل مرشح خاسر في السباق الرئاسي ، ثم يدعو باسم المصريين د.مرسي للتنازل لصالحه، كونه يمثل الثورة، وأن مرسي كان من بين من تأخر في النزل للميدان وقت الثورة، فيما تناسى أمثاله أن مرسي كان قابعا في محبسه وقت قيام الثورة، يوم أن توقيفه وإخوانه لعدم مشاركتهم الجماهير يوم 28 يناير من العام الماضي.
ولسنا هنا في سياق الدفاع عن جماعة أو فكر ، ولكنه تصويب عما صار يتردد في المشهد المصري عبر ماكينات إعلامية لا يمكن وصف حالها بأنها ترعى الله تعالى في بلادها ووطنها، بقدر وصفها بأنها تفتقر الإخلاص لما تؤمن به وتدعي اليه بحبها للوطن، والحرص على رعاية مصالحه، فهذا ما يبدو من ضجيجهم واستئثارهم وغلبتهم وتشويه صورة غيرهم، للدرجة التي جعلت هؤلاء يوجهون سهامهم إلى الإسلاميين بمشاركة بقايا النظام المخلوع بافتراءات بالية بتورط الإسلاميين في قتل المتظاهرين، والبحث عن مكاسب برلمانية، الى غيرها من الأراجيف التي يدركون أنها لا يمكن بحال أن تؤثر على شعبية الإسلاميين في الشارع بحال، بقدر ما يمنون أنفسهم بتحقيق ذلك، خلاف ما ثاروا يزعمونه بشأن الخوض في الأعراض والذمم المالية.
كل هذه المحاولات من التشويه والإساءة والتشهير، تجعل المدقق لجهود هؤلاء يجدها لا تخرج عن الغرف المغلقة، خلاف ما يحدثونه من ضجيج متواصل ليل نهار عبر شاشات الفضائيات، مخلفين ورائهم رفضا شعبيا عارما بحقهم، وليس كما يتمنون تشويها للإسلاميين، وإضعاف شعبيتهم، للدرجة التي جعلت جهودهم بمثابة استقطاب بامتياز، دون الغوص في البحث عن المشتركات مع التيار الإسلامي لبناء مؤسسات الدولة، وتقوية مفاصلها بعدما أعياها النظام المخلوع.
فمثلا نجد هؤلاء عطلوا تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أكثر من مرة، للدرجة التي أعلنها أحدهم صراحة بأن معركتنا ستكون مع الدستور، وتحقيقا لقوله كان وراء جملة الانسحابات من الجمعية الثانية، قبل أن تأتي المعركة بعد ، ما يعني حرصهم على الهدم وليس الفاعلية،والنظر الى الايدلوجيات ، وليس الى الصالح المشترك بين مختلف القوى والفصائل، وربما يكون النموذج الذي قدمه حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية ، في تنازله عن مقعديه بعضوية الجمعية نموذجا في الإيثار والإخلاص والحرص على المصلحة العامة ، وليس الأخرى الذاتية، في الوقت الذي لم يسلم فيه هذا الحزب من أبواق المتربصين به واستحضارهم له دوما رد فعل على ما كان يفعله بحقه النظام البائد من قمع وتصفية جسدية، والزعم بأن الأيادي الملوثة بدماء المصريين لا يمكن أن تكتب مستقبلا، وهو الرد الذي كان واضحا من الحزب على أراجيفهم بأن موقفه يكون على الأرض بالإيثار لغيره، وتغليب المصلحة العامة، وليس كموقفهم بالانسحاب وإفشال أي منجز يحققه المصريون لتجاوز المرحلة الانتقالية بكل تداعياتها التي دفع مصريون ثمنا غاليا من دمائهم فيها، خلاف تردي أوضاعهم الاقتصادية ، فضلا عن الأمنية.
من هنا يبدو حال هذا الفصيل من الإسلاميين في التعامل مع الوطن، والحرص على تغليب مصالحه، مقابل غيرهم ممن خلفوا ضجيجا لن ينضب، إلا بسعي هؤلاء لإعادة النظام الفاسد فكريا ومؤسساتيا، ليعيشوا في كنفه، باحثين له ولهم عن عدو اسمه التيار الإسلامي، ليس للتعايش معه، ولكن لشيطنته، ارضاء لقوى غريبة تنتظر دورهم في اجهاض الثورة المصرية باسم الحفاظ على الثورة والعمل على حمايتها، وبناء الدولة المدنية، وهى كلها أمور ينبغي على التيار الإسلامي أن يعيها، وأن عدوه لم يعد واحدا وفقط كما كان بالأمس وفقط من النظام المخلوع، ولكن تتعدد أشكال العداء والاستعداء، وأن الحل لمواجهة كل ذلك بوحدة هذا التيار، والبحث عن أفق التوحد في بنيته، دون تعميق لما كان يعززه النظام البائد، ومن صار على شاكلته.