يروى أن حاتما الأصم ، كان رجلا قليل المال ، كثير العيال . فأراد ذات يوم أن يحج ، فاستأذن أولاده ، فأبدوا امتناعهم ، حتى تكلمت أصغرهم ، فطلبت منهم السماح له بالتوجه إلى الحج فهو ليس برازق إنما مناول الرزق ، ففعلوا . ثم إنهم لما أصبحوا وبخهم جيرانهم على سماحهم لأبيهم بالذهاب ، فلاموا الصغيرة و قالوا : " لو سكت ما تكلمنا " . فرفعت الصغيرة يديها إلى السماء و دعت الله قائلة : " إلهي وسيدي ومولاي ، عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم " . وبينما هم كذلك مر عليهم أمير انقطع عن ركبه ، فاستسقاهم ماءًا فسقوه . ثم إنه استطاب له الشرب ، فأخبره وزيره خبرهم ، فألقى إليهم كيسا من المال ، و قال لمن معه أنه من أحبه فليفعل فعلته ، فألقى الجميع إليهم بأكياس من النقود . فبكت الصغيرة ، فتعجبوا لأمرها ، فقالت : " يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير " .
أما والدهم ، فإنه مرض أمير في ركب الحجيج ، فطلب طبيبا فلم يجد ، فطلب عبدا صالحا فدعي " حاتم الأصم " . فدعا للأمير فشفي ، فأمر له الأمير بما يأكله و ما يشربه و ما يركب عليه . فبات ليلته يفكر في أهل بيته ، فقيل له في منامه : " يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه " . ثم إنه أخبر بأمر عياله ، فحمد الله و أثنى عليه . و عندما عاد و استقبله أولاده عانق الصبية الصغيرة و قال : "صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه" .
قال الله تعالى : {... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2- 3]