بسم الله الرحمن الرحيم
)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43))(النور)
البرق في السنة
الاعجاز العلمي في الحديث عن البرق
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا . فيمر أولكم كالبرق ، قال قلت : بأبي أنت وأمي ! أي شيء كمر البرق ؟ قال : ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح . ثم كمر الطير وشد الرجال . تجري بهم أعمالهم . ونبيكم قائم على الصراط يقول : رب ! سلم سلم . حتى تعجز أعمال العباد . حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا . قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة . مأمورة بأخذ من أمرت به . فمخدوش ناج ومكدوس في النار . والذي نفس أبي هريرة بيده ! إن قعر جهنم لسبعون خريفا" .
أ- ان يكون المعنى اللغوي للآية واضحا...
قبل الخوض في تفسير الشق الذي يعنينا من الحديث دعونا نلخص مراده بشكل عام.
الرسول (صلى الله عليه وسلم) يخبرنا في هذا الحديث عن حال الناس في الآخرة وتحديدًا عند المرور على الصراط. الصراط في الحقيقة هو عبارة عن جسر يمتد فوق جهنم، إنه أحد من السيف وأدق من الشعرة، كل المؤمنين والعصاة من المسلمين دون أي إستثناء سوف يمرون عليه حتى النبي (صلى الله عليه وسلم)وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا(71)) (مريم) . غير أن مرور الواحد منا سيكون تبعًا لمستوى إيمانه إذ إن المؤمن الحقيقي سينطلق كالبرق ثم ما تلبث أن تتناقص هذه السرعة تدريجيًا وفقًا لما وصف الحديث إلى أن يصل الأمر بأن يزحف بعض الناس زحفًا ويقعوا في جهنم، نسأل الله العافية.
إن الأسلوب اللغوي المستخدم في الحديث واضح لا يحتمل تأويلات أخرى. الرسول (صلى الله عليه وسلم) تكلم عن سرعات مختلفة دون أن يستخدم وحدات سرعة معقدة كتلك المعتمدة اليوم بل إستند إلى ما كان شائعًا في ذلك العصر مثل: "مسيرة شهر للطير أو مسيرة يوم للجمل"... لقد إستخدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذاً مشاهد مقتبسةً من حياتنا اليومية لكي تكون الصورة أقرب إلى الأذهان فيفهمها العالم والأمي، الصغير والكبير، من منا لا يعرف البرق أو الريح أو غير ذلك؟
ولكن البرق- على الرغم من أنه يخضع لرؤية عامة الناس- إحتاج الى معلومة إضافية دون سائر التشبيهات الأخرى خاصة بعد إستفهام الصحابي، كما يلفتنا فعل "تروا" الذي لا يحمل معنى المشاهدة بل جاء بمعنى "ألم تعلموا"، إن إستخدام الفعل "تر" بمعنى تعلم شائع في القرآن، مثلًا محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يبعث في قوم "عاد" و مع ذلك خاطبه القرآن: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)) (الفجر)
أما في ما يخص الفعل"يرجع" الذي ورد في الحديث, فقد جاء معناه في "مقاييس اللغة" (ابن فارس):
"الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول رجع يرجع رُجوعاً، إذا عادَ."
ب- ان تكون الحقيقة العلمية التي تنص عليها الآية من المستحيل معرفتها في عصر النبوة أو ما قبله
البرق ظاهرة طبيعية تقع تحت نظر الجميع, وهو على مظهره الملفت يثير الرهبة والخوف. لذلك لا نستغرب ان يربطه القدماء بالاساطير الخرافية التي لا ترقى إلى الحقيقة باي شكل من الاشكال. وهذا هو حال سائر الظواهر الطبيعية التي كانت مبهمة في تلك العصور اذ عكف الناس على لصق التفسيرات الأسطورية بها. وحشرية الإنسان دفعته إلى السعي للبحث عن تفسيرات منطقية أي الأسباب المباشرة لظاهرة ما والتي لا يمكن أن نحصل عليها ما لم تتوفر لدينا التقنيات العلمية اللازمة.
في الحقيقة، لقد تعددت المرويات حول البرق، نجد مثلاً ان الناس في مصر القديمة قد ردوه إلى الإله "Typhon" الذي يمسك بالصواعق ويدفع بها إلى الناس قاصفا اياهم. في حين ذهب آخرون إلى أن البرق ينتجه طائر كبير, ورد في أحد المراجع العلمية المختص في دراسة البرق مايلي:
“In ancient Egypt, the god Typhon (Seth) hurled the thunderbolts (lightning).”
“Some Indian tribes of North America, as well as certain tribes in southern Africa, hold the belief that lightning is produced by a magical thunderbird, which dives from the clouds to earth.”
وغير ذلك من الأساطير التي سطرها هذا المرجع.
بيد أن هذه الخرافات ما لبثت أن تهاوت عندما وضع العلم يده على المسألة.ولا يجب ان ننسى أبدًا ذكر تجربة الطائرة الورقية الشهيرة التي قام بها Franklin سنة 1752 والتي أكدت الطبيعة الكهربائية للسحب العاصفة. واستمرت البحوث الحثيثة في هذا المجال إلى أن أطلت الكاميرات التي أحدثت ثورة في مجال التعرف على ظاهرتنا. كيف لا وهي التي تستطيع أن تصور لنا حدوث البرق بشكل تدريجي وبطيء؟
إذا فمن الواضح أن هذه الظاهرة ظلت رهينة الخرافات في عصر النبوة إلى أن بلغ العلم ما بلغ من هذا التقدم.
ج- أن تكون الحقيقة العلمية ثابتة:
بعد أن تطورت التقنيات العلمية وخاصة الكاميرا أصبحت رؤية البرق في أي مرحلة من مراحله متاحة لنا كما بينا أعلاه. وعليه، فإن الشق الوارد في الحديث والذي يتناول موضوع البرق لا يخص إلا حقيقة علمية ثابتة لا مجال للطعن فيها.
مراحل تكون البرق بشكل موجز
لم يعد يخفى على أحد أن للبرق أنواع متعددة سنكتفي فقط بالتوقف عند النوع الذي يهمنا: إنه البرق غيمة-أرض! ولكن من اعطانا الحق في ذلك؟
في الحقيقة، يشكل هذا النوع النسبة الأكبر من مجمل ضربات البرق التي نلاحظها، وهو بلا ريب النوع الذي تحدث عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأنه الأكثر شيوعا ويعرفه الجميع، فلا يجب أن ننسى أن تشبيه المرور على الصراط أتى بصور من الحياة اليومية عساها تلقى استحساناً لدى الجميع. فهل يعقل أن يستشهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ببرق غيمة-غيمة مثلاً؟ أم أن البرق الذي تحدث عنه فيه كرات النار؟ كيف ذلك ومجتمع الصحابة لم يكونوا على دراية حقيقية بهذه الأنواع؟
إذا، التشبيه يعود للبرق غيمة- أرض وهذه هي المراحل التي يسير وفقها (:
"أ- تتجمع الإلكترونات - الشحنات السالبة- في أسفل الغيمة في حين أن سطح الأرض تتراكم فيه الشحنات الموجبة بشكل طبيعي، لذلك تنطلق هذه الإلكترونات بإتجاه الأرض بواسطة الهواء الرطب مشكلةً قناةً دقيقةً جدًا في قاعدة الغيمة. ومن ثم يظهر الشعاع القائد The Leader من الغيمة نحو الأرض. هذا الشعاع لا ينزل دفعة واحدة بل يقفز عدة قفزات قد تصل إلى العشرة آلاف قفزة.
ب- يقترب الشعاع القائد من هدفه على الأرض فيبدأ عندها بجذب شحناتها الموجبة ويشكل قناة توصل الأرض بالغيمة. هذا الإلتقاء بين الشحنتين المتعاكستين يتم على علو عشرات الأمتار عن سطح الأرض.
ج- تتدفق الشحنات السالبة من الغيمة نحو الأرض.
د- يفقد الهواء عازليته ويصبح ناقلًا للكهرباء. إنه طور الرجوع أو الReturn Stroke الذي يتسبب في الومضة التي نراها فعليًا أثناء مراقبتنا لإحدى العواصف الرعدية. نحن نظن عادةً أن البرق ينطلق من الغيمة إلى الأرض في حين أن الحقيقة تبين العكس.
هـ- تنتهي ضربة البرق الأولى وتتوقف عشرات الأجزاء من الألف من الثانية ثم تتكرر الضربة منذ البداية عدة مرات لتعطي ومضةً واحدةً."
الربط بين حديث الرسول )صلى الله عليه وسلم) والعلم
مر معنا في الحديث النبوي ان البرق يمر ويرجع أي يعود, ولكن هل يعود البرق؟ إنه عين ما توصل إليه العلم الحديث لا بل إستخدم إحدى مشتقات "رجع" ليسمي الشعاع العائد نحو الغيمة ب"طور الرجوع" أي ال"Return Stroke ". هذه الحقيقة لا يمكن ان ترى بالعين المجردة, بـل اسأل أي إنسان عن البرق فسيقول انه يتجه فقط من الغيمة إلى الارض, ولا يصدقك الا بعد ان تعرض عليه الصور. لقد قالها محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ ما يقارب 1400 عام فمن أين له بهذه المعلومات لو لم يكن وحيًا من عند الله: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)) (النجم). وهذه هي المزيد من المصادر العلمية التي تؤكد ما ذهبنا اليه:
The Return Stroke
“After the stepped leader and the upward-moving discharge initiate the first violent, luminous discharge near the Earth, "this high luminosity (and the high current) then moves up the leader channel and out its branches at somewhere between one-half and one-tenth the speed of light. This movement from ground to cloud is called the return stroke and is actually the dazzling display we recognize as lightning. The eye is not fast enough to resolve the movement of the return stroke, and so it seems as if all points of the channel become bright simultaneously. " Uman’
هذا وقد ذهب بعض العلماء كالمهندس عبد الدائم الكحيل إلى ان الحديث يحمل المزيد من المعجزات, منها ما جاء في المعاجم اللغوية حول فعلي” مر" و"رجع" الواردين في الحديث مايدل على تكرار ضربات البرق ليمتزج هذا المعنى بالحقيقة العلمية التي سطرناها أعلاه (أنظر كتاب المهندس عبد الدائم الكحيل الموجود في المراجع أدناه ):
" هـ- تنتهي ضربة البرق الأولى وتتوقف عشرات الأجزاء من الألف من الثانية ثم تتكرر الضربة منذ البداية عدة مرات لتعطي ومضةً واحدةً."
وتأملوا مليا هذه الدلالة اللغوية:
ورد في لسان العرب:
"مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز. ومَرَّ يَمُرُّ مرًّا ومُروراً: ذهَبَ، واستمرّ مثله."
وجاء في معجم "مقاييس اللغة" ل-"أحمد ابن فارس " :
"الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول رجع يرجع رُجوعاً، إذا عادَ."
كما قارن المهندس الكحيل بين الزمن اللازم لحدوث البرق وطرفة العين ووجدهما متطابقين ما يزيد الالباب دهشة أمام ما قاله الصادق الأمين (صلاة الله وسلامه عليه):
"ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ "
والله أعلم بالصواب.
قارئنا الكريم, قلها ولا تتردد "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" وإشهد أيضاً أن المسيح هو عبد الله ورسوله، وتذكر مصير الخلود، إما جنة وإما نار. قلها ولا تخف، فلن ينفعك ولن يضرك أحد غير الله، لا اهلك ولا مالك ولا منصبك, فوزك هو في مرضاة الله وخسرانك بسخطه.