السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين )
تفريع على جواب إذا على كلا الوجهين المتقدمين ، أو تفريع على جملة وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ، أو هو جواب إذا ، وما بينهما اعتراض على حسب ما يناسب الوجوه المتقدمة .
والمعنى على جميع الوجوه : أن حاصل أمرهم أنهم قد زج بهم في النار فإن صبروا واستسلموا فهم باقون في النار ، وإن اعتذروا لم ينفعهم العذر ولم يقبل منهم تنصل .
وقوله فالنار مثوى لهم دليل جواب الشرط لأن كون النار مثوى لهم ليس مسببا على حصول صبرهم وإنما هو من باب قولهم : إن قبل ذلك فذاك ، أي فهو على ذلك الحال ، فالتقدير : فإن يصبروا فلا يسعهم إلا الصبر لأن النار مثوى لهم .
ومعنى وإن يستعتبوا إن يسألوا العتبى بضم العين وفتح الموحدة مقصورا اسم مصدر الإعتاب وهي رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب .
[ ص: 274 ] وفي المثل ( ( ما مسيء من أعتب ) ) أي من رجع عما أساء به فكأنه لم يسئ . وقلما استعملوا المصدر الأصلي بمعنى الرجوع استغناء عنه باسم المصدر وهو العتبى . والعاتب هو اللائم ، والسين والتاء فيه للطلب لأن المرء لا يسأل أحدا أن يعاتبه وإنما يسأله ترك المعاتبة ، أي يسأله الصفح عنه ، فإذا قبل منه ذلك قيل : أعتبه أيضا ، وهذا من غريب تصاريف هذه المادة في اللغة ، ولهذا كادوا أن يميتوا مصدر : أعتب بمعنى رجع وأبقوه في معنى قبل العتبى ، وهو المراد في قوله تعالى فما هم من المعتبين أي أن الله لا يعتبهم ، أي لا يقبل منهم .