منهج السلف في الاعتقاد
فضل السلف وبيان مكانتهم تناقله العلماء وقرروه في مصنفاتهم العلمية جيلا بعد جيل؛ وقد سبق نقل كثير من كلام العلماء السابقين واللاحقين في بيان ذلك.
ونتابع القول في بيان فضلهم في ذكر ما تميزوا به عن غيرهم في جميع وشتى المجالات العلمية والعملية.
ونبدأ بذكر منهجهم في مسائل الاعتقاد عموما ليتبين للناظر فضل مكانتهم وسمو منزلتهم؛ فمن منهجهم في ذلك:
1- الاعتماد على الكتاب والسنة والإجماع وما صحت به الآثار في الأخذ بمسائل الاعتقاد؛ وطرح ما سوى ذلك.
2- مجانبة أقوال المبتدعة الذين بانت بدعتهم وانتشر ضلالهم.
3- الاقتصار في باب أسماء الله تعالى وصفاته على ما ورد به النص؛ من دون تأويل ولا تحريف؛ ولا تعطيل ولا تشبيه.
4- الإثبات في باب الصفات يكون مفصلا؛ والنفي يكون مجملا.
5- القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر؛ فمن نفى صفة فيلزمه نفي جميع الصفات الربانية؛ ومن أثبت صفة لزمه إثبات جميع الصفات الربانية.
6- كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق أولى به.
7- النقل والعقل متفقان ولا يختلفان؛ فإن اختلفا فإما أن يكون النقل غير صحيح؛ وإما أن يكون العقل غير سليم؛ والنقل لا يأتي بما يضاد العقل؛ وإنما يأتي بما يحار فيه.
8- الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم؛ والحذر من اتباع الذين يتبعون المتشابه لزيغ قلوبهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الإشارة إلى بعض هذا المنهج:
«فَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ: نَفْيًا وَإِثْبَاتًا؛ فَيُثْبِتُ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَيَنْفِي عَنْهُ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ طَرِيقَةَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ مِنَ الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ.
وَكَذَلِكَ يَنْفُونَ عَنْهُ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ إثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ مِنَ الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ إلْحَادٍ: لَا فِي أَسْمَائِهِ وَلَا فِي آيَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الأعراف آية: 180]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة فصلت آية: 40]. فَطَرِيقَتُهُمْ تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مَعَ نَفْيِ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ: إثْبَاتًا بِلَا تَشْبِيهٍ وَتَنْزِيهًا بِلَا تَعْطِيلٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى آية: 11]، فَفِي قَوْلِهِ: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ رَدٌّ لِلتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَقَوْلُهُ: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ رَدٌّ لِلْإِلْحَادِ وَالتَّعْطِيلِ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ: بَعَثَ رُسُلَهُ (بِإِثْبَاتٍ مُفَصَّلٍ وَنَفْيٍ مُجْمَلٍ فَأَثْبَتُوا لِلَّهِ الصِّفَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ وَنَفَوْا عَنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ مِنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [سورة مريم آية: 65].
وقال -رحمه الله- أيضا: الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي الذَّاتِ:
فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَاتٌ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ الذَّوَاتَ فَالذَّاتُ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَاتٍ حَقِيقَةً لَا تُمَاثِلُ سَائِرَ الصِّفَاتِ».