فضل السلف من كتاب اعتقاد أهل السنة
ثناء الأئمة والعلماء قديما وحديثا على مدح طريقة السلف ومنهجهم والثناء على ما كانوا عليه من العلم والعمل مما يفوق الحصر.
وقد تنوع ذلك الثناء بحسب ما اتصفوا به من الأوصاف الجليلة والخلال الحميدة.
فتارة يمدحونهم لعنايتهم بالحديث، وتارة يثنون عليهم بتمسكهم بالوحي؛ وتارة بجهادهم العلمي والعملي، وغير ذلك من دواعي الثناء.
وفيما سيأتي من المقالات سنختار من بين تلك الأقوال ما يدلل على ذلك ويشهد له.
ومن ذلك ما ذكره الإمام اللالكائي في كتابه: اعتقاد أهل السنة (1 / 22):
فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحث على الاتباع وذم التكلف والاختراع، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين وكان أولاهم بهذا الاسم وأحقهم بهذا الوسم وأخصهم بهذا الرسم أصحاب الحديث، لاختصاصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعهم لقوله وطول ملازمتهم له وتحملهم علمه وحفظهم أنفاسه وأفعاله، فأخذوا الإسلام عنه مباشرة وشرائعه مشاهدة وأحكامه معاينة من غير واسطة ولا سفير بينهم وبينه، فجاولوها عيانا، وحفظوا عنه شفاها، وتلقفوه من فيه رطبا وتلقنوه من لسانه عذبا، واعتقدوا جميع ذلك حقا، وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينا، فهذا دين أخذ أوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة، لم يشبه لبس ولا شبهة، ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل، ثم الكافة عن الكافة والصافة عن الصافة والجماعة عن الجماعة، أخذ كف بكف وتمسك خلف بسلف، كالحروف يتلو بعضها بعضا ويتسق أخراها على أولاها رصفا ونظما.... فإنهم السواد الأعظم والجمهور الأضخم، فيهم العلم والحكم، والعقل والحلم والخلافة والسيادة والملك والسياسة، وهم أصحاب الجمعات والمشاهد والجماعات والمساجد والمناسك والأعياد والحج والجهاد وباذلو المعروف للصادر والوارد، وحماة الثغور والقناطر الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واتبعوا رسوله على منهاجه الذين أذكارهم في الزهد مشهورة وأنفاسهم على الأوقات محفوظة، وآثارهم على الزمان متبوعة، ومواعظهم للخلق زاجرة وإلى طرق الآخرة داعية، فحياتهم للخلق منبهة ومسيرهم إلى مصيرهم لمن بعدهم عبرة وقبورهم مزارة ورسومهم على الدهر غير دارسة وعلى تطاول الأيام غير ناسية، يُعَرِّفُ الله إلى القلوب محبتَهم ويبعثهم على حفظ مودتهم يزارون في قبورهم كأنهم أحياء في بيوتهم لينشر الله لهم بعد موتهم الأعلام حتى لا تندرس أذكارهم على الأعوام ولا تبلى أسماؤهم على مر الأيام، فرحمة الله عليهم ورضوانه وجمعنا وإياهم في دار السلام.