انتقدت على أكثر العلماء و الزهاد أنهم يبطنون الكبر .
فهذا ينظر في موضعه و ارتفاع غيره عليه ،
و هذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه .
حتى إني رأيت جماعة يوماً إليهم ، منهم من يقول لا أدفن إلا في دكة
أحمد بن حنبل ، و يعلم أن في ذلك كسر عظام الموتى ،
ثم يرى نفسه أهلاً لذلك التصدر .
و منهم من يقول : ادفنوني إلى جانب مسجدي ،
ظناً منه أنه يصير بعد موته مزاراً كمعروف الكرخي .
و هذه خلة مهلكة و لا يعلمون .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر .
و قل من رأيت ، إلا و هو يرى نفسه .
و العجب كل العجب ممن يرى نفسه ، أتراه بماذا رآها ؟
إن كان بالعلم ، فقد سبقه العلماء ، و إن كان بالتعبد ، فقد سبقه العباد ،
أو بالمال ، فأن المال لا يوجب بنفسه فضيلة دينية .
فإن قال : قد عرفت ما لم يعرف غيري من العلم في زمني ،
فما علي ممن تقدم .
قيل له : ما نأمرك يا حافظ القرآن ،
أن ترى نفسك في الحفظ كمن يحفظ النصف .
و لا يا فقيه أن ترى نفسك في العلم كالعامي .
إنما نحذر عليك أن ترى نفسك خيراً من ذلك الشخص المؤمن و إن قل علمه .
فإن الخيرية بالمعاني لا بصورة العلم و العبادة .
و من تلمح خصال نفسه و ذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب
و التقصير ، و هو من حال غيره على شك .
فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس ، و رؤية التقدم في أحوال الآخرة ،
و المؤمن لا يزال يحتقر نفسه .
و قد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن مت ندفنك في حجرة
رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
فقال :
[ لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك ،
أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك ] .
و قد روينا : أن رجلاً من الرهبان رأى في المنام قائلاً :
يقول له :
[ فلان الإسكافي خير منك ]
فنزل من صومعته ، فجاء إليه فسأله عن عمله ، فلم يذكر كبير عمله .
فقيل له في المنام : عد إليه ، و قل له مم صفرة وجهك ؟
فعاد فسأله فقال : ما رأيت مسلماً إلا و ظننته خيراً مني ،
فقيل له : فبذاك ارتفع .