الإسلام هو الحياة وهو منهج المسلمين و طريقهم المستقيم و دستورهم الحكيم
الاستقامة أساس الدين
لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد
لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ،
سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته
وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات
الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات
القربات .
أيها الأخوة الكرام ، أعيد وأكرر أن
المسلمين يتمتعون بحالة نفسية قلّ مثيلها ، هذه الحالة هي الأمن العقدي ،
يعني مبادئ دينهم ، قيمهم ، مهما تطورت الأحداث ، مهما استجدت المستجدات ،
مهما ظهرت الانعطافات ، كل هذا الذي يجري يؤكد عظمة دينهم لماذا ؟ قال :
لأن الدين أعطى المسلمين تصوراً دقيقاً ، عميقاً ، صحيحاً ، متناسقاً ،
شمولياً ، عن الكون والحياة والإنسان ، فهذا الكون بحسب نصوص القرآن الكريم
مسخر للإنسان تسخير تعريف وتسخير تكريم الدليل :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون والكون ما سوى الله :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
( سورة الجاثية الآية : 13 )
منة وكرم ، مسخر تسخير تعريف لابدّ من أن تعرف الله من خلال الكون .
الكون
بكل جزئياته التي لا تعد ولا تحصى ينطق أو يكاد ينطق بوجود الله ،
ووحدانيته ، وكماله ، بل ينطق بأسمائه الحسنى ، هذا الكون فيه رحمة ،
البطريق طائر يعيش في القطب الجنوبي ، حينما تلد أنثاه بيضة يضعها على
قدميه ، ويغطيها بريشه ، ويبقى واقفاً لا يتحرك ، ولا يأكل ، ولا يشرب
أربعة أشهر ، رحمة بهذه البيضة ، يوجد بالكون رحمة ، يوجد حكمة ، لو وضع في
شعرك أعصاب حس تحتاج إلى عملية جراحية كل أسبوع في المستشفى ، تخدير عام
ثم حلاقة ، بالشعر لا يوجد أعصاب حس ، بالأظافر لا يوجد أعصاب حس ، لو جعل
لك عين واحدة لا ترى البعد الثالث ، لو جعل لك أذن واحدة لا تعرف جهة الصوت
، الحديث عن جسم الإنسان يحتاج إلى سنوات ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه
واحد :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
تسخير تعريف :
﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة آل عمران )
تسخير تعريف وتسخير تكريم .
الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ .
( سورة الإنسان )
منحك
نعمة الإمداد ، أمدك بالماء ، والهواء ، و الطعام ، والشراب ، والمعادن ،
وأشباه المعادن ، والخضار ، والفواكه ، والنباتات ، والزوجة ، والأولاد ،
والمسكن ، والمأوى ، منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى
والرشاد ، إذاً كرمك ؛ موقفك من هذا التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت
حققت الهدف من وجودك ، قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
هذا التصور صحيح ، أنت مع الكون ، مع كل مظاهره ، مع كل آياته ، الكون قرآن صامت .
أيها
الأخوة ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل ، هذا
الاسم محقق جزئياً ، فالله عز وجل يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ،
ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، أما توفية الحساب الكامل :
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 185 )
فلذلك :
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (27) ﴾ .
( سورة الروم )
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ﴾ .
( سورة طه )
أعطيكم
ملخصاً سريعاً ، هذا الكون في القرآن الكريم مسخر للإنسان تسخير تعريف
وتكريم ، وأنت أيها الإنسان ينبغي أن تؤمن استجابة للتعريف ، وينبغي أن
تشكر استجابة للتكريم ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذ
تتوقف معالجات الله عز وجل :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 147 )
الآن الحياة الدنيا مشكلة أهل الأرض :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ .
( سورة الكهف )
الحياة الدنيا
تعرفها من اسمها حياة دنيا ، لأنه سيليها حياة عليا فيها ما لا عين رأت ،
ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لا يوجد فيها مرض ، ولا قلق ، ولا
خوف ، ولا اجتياح ، ولا منع مساعدات ، ولا طغاة ، ولا يوجد شيء من هذا
القبيل ، ولا زوجة سيئة ، ولا ابن عاق ، ولا تقدم بالسن ، ولا أمراض ،
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،
الحياة الدنيا ممر وليست مقراً ، دار تكليف وليست دار تشريف ، دار عمل
وليست دار أمل ، الحياة الدنيا الأصل فيها أن تعرف الله فيها :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
( سورة محمد)
عرفها لهم يوم القيامة ، أذاقهم نعيمها ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الله عز وجل .
أيها الأخوة ، الحياة الدنيا في حقيقتها تقسم البشر قسمين ، لكن هذين القسمين ليسا متساويين ، قلة قليلة عرفت حقيقة الحياة الدنيا :
إن
هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، لا تستقيم لإنسان قد يكون غنياً
وليس عنده أولاد ، وقد يكون له ذرية كثيرة وهو ليس بغني ، وقد يكون غنياً
وله ذرية صحته ليست كما ينبغي .
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار
استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن
لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا
لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي
ويبتلي ليجزي ))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
1 ـ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة:
الناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم هم عند الله نموذجان :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
صدق بالحسنى وهي الجنة ، اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
2 ـ ونموذج غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة :
الطرف الآخر :
﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
كفر بالآخرة وآمن بالدنيا ، فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، رد الإله على الأول :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
هذا التيسير .
رد الإله على الثاني :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل )
إحباطات ، إخفاق ، عدم نجاح ، دمار .
أيها الأخوة الكرام حينما نفقه حقيقة الحياة الدنيا نسعد بها ، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها ، وأشقاهم فيها أرغبهم فيها :
﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ .
( سورة الكهف )
أعطاك القرآن تصور
إن الكون مسخر لك ، الإنسان ليس عدواً للطبيعة ، الطبيعة في خدمته ، هو
صديق الطبيعة مسخرة له ، الإنسان جزء من هذه الطبيعة ، لو أن من قوانين هذا
الجسم أن النسيج إذا جرح لا يلتئم التغت الجراحات كلها في الأرض ، التغى
الطب الجراحي أصلاً ، لو أن القلب إذا بردته فسكن وأنهيت العمل الجراحي
فصعقته فلا يعمل انتهى العمل القلبي كله ، انتهت عمليات القلب المفتوح في
الأرض ، لو وجد في الجسم نماذج ، نموذج صيني ، نموذج شرقي ، ما في طب ، أما
الطبيب يدرس في أمريكا يعين في الخليج يأتيه مريض صيني الدواء صنع اليابان
، درس في بلد ، وأقام في بلد ، وعالج ببلد ، واستعمل دواء من بلد ، لأن
البينة التشريحية للإنسان واحدة في الأرض ، النظم الفيزيولوجية واحدة ،
لولا هذا التوحد في التشريح وفي الفيزيولوجية لا يوجد طب أساساً ، لكن لأن
الله واسع لا يوجد إنسان وله شبيه ، أنت واحد من ستة آلاف مليون بقزحية
العين ، بالنطفة أيضاً ، بنبرة الصوت ، برائحة الجلد ، بالبصمة ، بالبنية
النسيجية ، بالزمرة النسيجية ، أنت واحد لا شبيه لك ، الله عز وجل لكرامة
الإنسان منحه بعض صفاته وهو الفرد وأنت فرد أيضاً لأنك مكرم عند الله .
إذاً
أيها الأخوة ، هذه الدنيا فيها حقائق دقيقة جداً ينبغي أن تعرفها ،
الإنسان ، الإنسان في التصور الإسلامي هو المخلوق الأول رتبة :
﴿
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ .
( سورة الأحزاب الآية : 72 )
الإنسان المخلوق المكرم :
﴿
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾ .
( سورة الإسراء )
مكرم
بالعقل ، مكرم بالنطق علمه البيان ، مكرم بالخيار ، مكرم بالمحاكمة ، مكرم
بالذاكرة ، ذاكرتك حجمها كحجم حبة العدس ، فيها سبعون مليار صورة ،
فالإنسان مخلوق أول ومكرم ومكلف ، مكلف أن يعبد الله :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ .
( سورة الذاريات )
والعبادة كما تعرفون طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
الإنسان
مخلوق متحرك ، هذه الطاولة لو تركتها آلاف السنين تبقى في مكانها ،
الإنسان متحرك ما الذي يحركه ؟ حاجته إلى الطعام ، بحاجته على الطعام يتحرك
ليأكل ، فيبقى حياً حفاظاً على وجوده ، وحاجته إلى الجنس يتحرك المؤمن
ليتزوج فيبقى هذا النوع مستمراً ، والإنسان يتحرك ليؤكد ذاته فيبقى ذكره
مستمراً ، هناك حاجات ثلاث ؛ حاجة إلى الطعام حفاظاً على الوجود ، وحاجة
إلى الجنس حفاظاً على بقاء النوع ، وحاجة إلى تأكيد الذات حفاظاً على الذكر
، فهو مخلوق أول ومكرم ومكلف ومتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً
على وجه الأرض ، لا تجد جامعات ، ولا معامل ، ولا طرق ، ولا جسور ، ولا
زراعة ، ولا صناعة ، ولا تجارة إطلاقاً ، هذه الطاولة لا تحتاج إلى شيء
إذاً لا تتحرك ، لولا هذه الحاجات لما وجدت شيئاً .
لحكمة بالغة بالغة الإنسان ضعيف :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾ .
( سورة النساء )
ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه :
﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا *
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
( سورة المعارج )
والله أيها الأخوة ، يمكن أن يقوم علم عملاق اسمه علم النفس الإسلامي من خلال آيات القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام .
الآن
الإنسان متحرك إن صحت حركته في الدنيا سلم وسعد في الدنيا والآخرة ، وإن
لم تصح حركته في الدنيا شقي وهلك في الدنيا والآخرة ، السؤال متى تصح حركته
؟ إذا عرف سرّ وجوده ، أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله ، من أجل أن
تطيعه وأن تقبل عليه حتى تسعد بقربه وتسلم في الدنيا والآخرة .
أيها
الأخوة ، لكن العبادة في قسم منها شمولي ؛ صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ،
وفي قسم خاص فالغني العبادة الأولى إنفاق المال ، والقوي العبادة الأولى
إحقاق الحق وإبطال الباطل بتوقيع ، والعالم العبادة الأولى إلقاء العلم لا
تأخذك بالله لومة لائم ، والمرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ،
هذه عبادة الهوية ، أما عبادة العصر ونحن في عصر صعب جداً ، إذا أراد الطرف
الآخر إفقارنا ، فالعبادة الأولى بعد العبادات الأساسية كسب الأموال
الحلال وإنفاقها لحلّ مشكلات المسلمين ، أي بلد عربي إسلامي عنده اثنان
ونصف مليون كيلو متر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة وعنده نهر أربع
أخماسه يصب في البحر ، السودان ، هذا القطر يمكن أن يطعم العالم الإسلامي
كله ، لو توجهت إليه بعض المليارات التي استقرت في بلاد الغرب ولم يأخذوا
منها شيئاً ، هذا التعاون .
أيها الأخوة ، إذا أراد الطرف الآخر
إفقارنا ينبغي أن نستصلح الأراضي ، وإقامة السدود ، أن نستخرج الثروات ، أن
نطور الصناعات ، هذا من العبادة أن تبني أمتك ، وإذا أرادوا إضلالنا ينبغي
أن توضح الحقائق ، وأن تدعم المبادئ والقيم ، وأن ترد على كل الشبهات ،
وإن أرادوا إفسادنا ينبغي أن نحصن شبابنا من الزيغ والانحلال ، إن أرادوا
إذلالنا ينبغي أن نضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس .
أيها الأخوة ، هذا المفهوم الأوسع للعبادة ، فإذاً تسعد وتسلم إذا صحت حركتك ، أو تسعد وتسلم إذا جاءت حركتك موافقة لهدفك .
الآن
ننتقل إلى موضوع هذا اللقاء وهذه الخطبة ، أيها الأخوة الأكارم ، الإسلام
هو الحياة ، هو الحياة ، دين الحياة ، أَلِف بعض المسلمين أن يقرؤوا القرآن
على الموتى ، قال تعالى :
﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا (70) ﴾
( سورة يس )
هذا
القرآن يقرأ على الأحياء ، هو منهج لهم ، طريق مستقيم ، دستور حكيم ،
فلذلك الإسلام هو الحياة ، فإن لم تكن حياة المسلمين كما ينبغي فهناك خلل
كبير في فهمهم للدين ولو صلوا ، وصاموا ، وحجوا ، وزكوا ، لا يكفي هذه
عبادات شعائرية ، هناك خلل في دينهم خطير لأن الإسلام يجعل حياة المسلمين
في أعلى المراتب ، حياة تعاون ، حياة انضباط ، حياة قيم ، حياة مبادئ ،
حياة عطاء ، حياة عفة ، حياة أمانة ، حياة صدق ، الإسلام هو الحياة .
الآن
أيها الأخوة ، مشكلات المسلمين والله لا تعد ولا تحصى ، ولكن يخطئ خطأً
فاحشاً من يتوهم أن هذه المشكلات أمراض ، وينبغي أن نعالج كل مرض على حدة ،
وهذا خطأ جسيم ، كل هذه المشكلات مهما كثرت هي ليست أمراضاً ، ولكنها
أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله ، إنسان دخل إلى البيت الثلاجة لا تبرد ،
والغسالة لا تدور ، والمذياع لا ينطق ، والمكيف لا يقدم الهواء البارد ،
كله معطل ، غاب عنه أن التيار الكهربائي في البيت مقطوع بدل أن يعالج هذه
الأجهزة ويفكها ، دعها كما هي ، انتبه إلى التيار الكهربائي ، فإذا دخل
التيار إلى البيت كل هذا يعمل ، أقسم لكم بالله أن حياتنا لن تستقيم إلا
إذا عرفنا الله عز وجل .
مثل قد لا يكون مستساغاً ؛ لو بائع وجد في
وعاء الزيت فأرة المؤمن هل يستطيع أن يبيع هذا الزيت ؟ مستحيل ، الرقيب هو
الله ، سيدنا ابن عمر رأى راعياً قال له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ،
قال له : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال له :
والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها
الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ المسلم وضع يده على
جوهر الدين .
جوهر الدين أن تستقيم على أمر الله ،
والله لو عرف الإنسان ربه التغى الغش ، التغى الكذب ، التغى النفاق ،
التغى الاحتيال ، كل أمراضنا أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله عز وجل ،
الآن توثق وبعقود وتنشأ مشكلات لا تنتهي وبالقضاء عدد من السنوات ، لا يوجد
خوف من الله :
(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ )) .
[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]
مثلاً
أنت أب ، أم ، معلم ، معلمة ، مدير مؤسسة ، مدير جامعة ، مدير معمل ، مدير
مؤسسة ، أي إنسان يحتل منصباً قيادياً كيف ينجح ؟ هناك من يتوهم أنه ينجح
بذكائه ، أو ينجح بأنه يحمل شهادة إدارة أعمال من بلد بعيد ، ممكن ، هو
ينجح إذا كان مؤمناً لأن الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 159 )
لأنه
يا محمد من خلال اتصالك بنا استقرت في قلبك رحمة ، رحمة بمن حولك ، هذه
الرحمة انعكست ليناً ، هذا اللين جذب من حولك إليك فالتفوا حولك ، أصبحوا
أعواناً لك ، أصبحوا حراساً لك ، أصبحوا جنوداً لك ، لأنك رحمتهم ، لأنك
كنت ليناً لهم ، بدافع من رحمة استقرت في قلبك .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع